الصفحة الرئيسية  قضايا و حوادث

قضايا و حوادث قــانون «الزطلـة» عـام و«فيسبـا» ضـاعف من عـدد المستهلكين و«فرخ» المجرمين فهل تتم مراجعته؟

نشر في  28 ماي 2014  (11:37)

يكاد يصبح تعاطي المخدرات في تونس ظاهرة إجتماعية  عادية تختصرها أغاني الراب من «سيب اللعب «إلى «مزاطيل « في تحد صارخ لقوانينها التي دمرت عائلات وشردت أطفالا من أجل سيجارة قد يكون دخنها أحدهم لمجرد  الفضول..  والثابت حسب عديد الدراسات أن البعض جرب مادة الزطلة في سن مبكرة قد لا تتجاوز أحيانا ال11 سنة وتتواصل إلى سن 19 سنة ونظرا للأحكام القاسية المسلطة على مستهلكيها فقد تعالت الأصوات لا بعد الثورة كما يعتقد البعض بل سبقتها بكثير دعوات لمراجعة ما يسمى بقانون 52المتعلق بالمخدرات.
 

فماهي تأثيرات المخدرات وخاصة مادة الزطلة على مستهلكيها؟ وماهي انعكاسات هذا القانون على المتهمين ؟وهل فعلا حقق هذا القانون غايته وهي الحد من استهلاك المخدرات في تونس؟

تلاميذ وطلبة في فخ مادة «الزطلة»

في دراسة قامت بها خلية علوم الإجرام  بمركز الدراسات التشريعية والقانونية  جاءت الإحصائيات صادمة ومخيفة إذ أن نسبة المتعاطين للمخدرات بمختلف أنواعها لدى المراهقين والشباب قدرت بـ57 بالمائة من بين الفئات التي تتراوح أعمارهم ما بين سن الـ 13 والـ18 سنة. بينما تقل نسبة التعاطي تدريجيا بين الفئات الأكبر سنا حيث تصل إلى  36,2 بالمائة بالنسبة للذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 سنة لتنخفض إلى 4,7 بالمائة بين الفئة ما بين سن 25 و35 سنة، في حين لا تتجاوز نسبة المتعاطين بين الفئة المتراوحة بين 35 و50 سنة نسبة 2 بالمائة. وقد أشارت الدراسات إلى أن مادة «الزطلة» هي أكثر المواد المخدرة إستهلاكا في تونس بنسبة 92 بالمائة، تليها  المواد المستنشقة، ثم الكوكايين، فالهيروين،لكن اللافت للنظر أيضا حسب إحدى الإحصائيات هو أن 50 بالمائة من تلاميذ تونس قاموا بإستهلاك المواد المخدرة أي بعدد 50 تلميذا من أصل 100 تلميذ يتعاطون «الزطلة» والكحول داخل المعاهد الثانوية والمدارس الإعدادية والظاهرة في إزدياد. وتنقسم نسبة المتعاطين للمخدرات داخل المؤسسات التربوية إلى 60 بالمائة من الذكور و40 بالمائة من الإناث.

نعم جرّبنا «الزطلة»

لم يخف عنا بعض الذين حاورناهم ورفضوا تصوريهم إجاباتهم التي كانت صريحة إلى أبعد الحدود ونختصرها في أن الكثير منهم جرّب مادة الزطلة وأن الأمر لا يقتصر على الذكور بل يشمل الإناث أيضا، أحد المراهقين لا يتجاوز عمره ال15سنة قال لنا حرفيا «ادخنها في فترات متباعدة وأتمنى أن يغيروا حكم  العام والفيسبا لأدخن الزطلة على راحتي».
بعض الذين تحدثنا إليهم بان بالكاشف أنهم غير واعين أصلا بخطورة الأحكام التي قد ينالونها في حالة ثبوت استهلاكهم لمادة الزطلة بل أن بعضهم أكد لنا أنه لا يعتقد أن الأمن قادر على الوصول إليه قائلا «أعرف من يدخن الزطلة منذ سنوات في الحومة» وأمام ومرأى الجميع ولم يتم أبدا إيقافه .ن ج  إطار عال في بنك لم يتردد في الحديث معنا قائلا «كما ترون أنا رجل محترم ولا أعتقد انني أجرمت في حق المجتمع حتى أعاقب بالسجن، لقد افتتنت بمادة الزطلة منذ كنت طالبا وتواصلت معي هذه «المحنة»حتى الان وقد أصبحت زوجا ولي أبناء لكن الخوف ظل يلازمني من أن يقع الزج بي في السجن لو اكتشف أمري وتمنى أن يقع مراجعة قانون المخدرات الذي اعتبره قاسيا وظالما».

إحصائيات مخيفة

صيحة فزع  أطلقها الدكتور عبدالمجيد الزحاف رئيس الجمعية التونسية للوقاية من تعاطي المخدرات ومدير المركز الوحيد في تونس  والذي يقع على مشارف مدينة صفاقس و يشرف على علاج هذه الظاهرة حيث بين أن استهلاك المخدرات تفاقم بعد الثورة وشمل خاصة الأطفال والمراهقين  وأنه يوجد ما لا يقل عن 100ألف مستهلك لمادة الزطلة وأن حوالي 200ألف شخص يستهلكون الأقراص المخدرة ,وأشار إلى أن الحل يكمن في التضييق على المتاجرين بهذه السموم وفي  إقامة مراكز لعلاج الإدمان عوض الزج بهم في السجون فحسب رأيه كل المدمنين هم من الذين دخلوا السجون ولم يزدهم ذلك إلا إصرارا على استهلاك المخدرات،خاصة المراهقين والذين فقدوا وظائفهم بسبب قضاء عقوبة السجن .

«المرهوجة» والزطلة داخل السجون التونسية

أكد لنا اكثر من شخص قضى عقوبة داخل السجن أن «الزطلة «تباع وتشترى وأن الحديث عن عدم دخولها إلى  السجن مغالطة كبرى وهذا ما أكده لنا وليد زروق الكاتب العام المساعد لنقابة أعوان السجون والإصلاح والذي أفادنا أن «الزطلة « وشتى أنواع الحبوب المخدرة يقع تداولها داخل السجون بل أكثر من ذلك اتهم بعضهم الأعوان بأنهم من يقومون بالمتاجرة بهذه السموم داخل السجن ،كما حدثنا البعض عن أكلة يطلق عليها إسم «المرهوجة « وهو أن تعمد عائلة السجين أو أحد أصدقائه بطبخ أكلة تكون عادة من نوع السائل ويقومون برحي كمية من الحبوب المخدرة داخلها ويكفي أن يتناول السجين ملعقة «ليعمر رأسه ويشيخ» وقد تكفيه هذه الأكلة أسبوعا,
تلاميذ وطلبة وموظفون سامون  وإطارات عليا ضاع مستقبلهم وسجنوا لمدة عام بتهمة استهلاك المخدرات لكنهم عادوا إليها ولهذا السبب تعالت الأصوات من اجل مراجعة هذا القانون.

ضاع أحفادي بسبب «الزطلة»

هو شيخ متقاعد أبى إلا أن يحدثنا عن مأساته ومأساة إبنه الذي وبسبب وشاية من  أحد أجواره بعد خصومة بينهما  تم سجنه بتهمة الاتجار في مادة «الزطلة» بعد أن تمت مداهمة منزله والعثور على بعض الغرامات من هذه المادة، يقول هذا الشيخ، لقد كان ابني مستقرا في حياته العائلية وموظفا محترما بإحدى المؤسسات العمومية لتنقلب حياته رأسا على عقب بعد أن تم الحكم عليه ب5سنوات فطلقته زوجته وأهملت أبنائها الثلاثة حتى بت عاجزا عن تربيتهم .جمال كان طالبا جامعيا لامعا قبل أن يتورط في قضية استهلاك كلفته سنة سجنا وبعد  خروجه من السجن قرر «الحرقان» إلى إيطاليا وهناك خالط  أصحاب السوء ليتورط في قضية اتجار المخدرات وهو الان قابع في احد السجون الإيطالية.

الأستاذ بسام الطريفي «هذا رأيي في قانون 52»

الأستاذ بسام الطريفي قال: «إنه عكس ما يتصور البعض فهو لا يدعو إلى حذف هذا القانون بل يجب مراجعته لأنه من الخطير أيضا أن نسمح لمن هب ودب استهلاك المخدرات لما في ذلك من اثار سلبية على الفرد والمجتمع لأن ما نطمح إليه هو بناء مجتمع فاعل وعامل وواع لا مجتمع «مزاطيل» واقترح الأستاذ الطريفي حذف الفصل 12 من القانون عدد 52 لسنة 92 الذي ينص على ان الفصل 53 من المجلة الجزائية لا ينطبق و لا يمكن تطبيق ظروف التخفيف .فبحذف هذا الفصل يمكن للقاضي تقدير العقوبة المناسبة والنزول بالعقاب الى اقل من سنة, وبالتالي  يمكن في هاته الحالة الحكم بعقوبات اخرى كالسجن المؤجل التنفيذ او الخطية او العمل لفائدة المصلحة العامة او حتى بالسجن لمدة معينة يقدرها القاضي, مشيرا إلى أن هذا القانون يعتبر قاسيا فأحكامه غير قابلة للتخفيف كما أن الحكم يعتبر قاسيا ولا يمكنه الحد من استهلاك هذه الافة التي تدمر عقول الشباب. .

رأي  علماء الدين :على الدولة معالجة المدمنين لا رميهم في السجون  

قد يختلف كل من شيخ جامع الزيتونة الحسين العبيدي والشيخ فريد الباجي في عديد المسائل إلا أنهما اتفقا في مسألة عقوبة مستهلك المخدرات فبسؤالهما أكدا أنه لا بد من مراجعة هذا القانون  واعتبرا أن المدمن ليس مجرما بل مريضا من واجب الدولة أن تسخر له العلاج لا أن يرمى به في السجن  في السجن لتصنع منه مجرما.

تحقيق: عبد اللطيف العبيدي